فى البداية بما إن دى أول مقالة فى القسم ده فى الموقع “قسم التجارب النفسية” خلينى أحكيلكم عن سبب وجوده أصلا وإزاى جه الموضوع، الفكرة كلها كانت إنى هكتب مقالة عن أهم التجارب النفسية اللى حصلت فى تاريخ البشرية، الكلام كان هيكون عن أهم 5 أو 10 تجارب بالكتير.
المهم بعد ما شوية بحث قابلتنى مشكلتين، أول مشكلة هى إن التجارب النفسية المثيرة للإهتمام اللى قررت أكتب عنها فى المقالة كانت كتير جدا، تاريخ علم النفس مليان بالتجارب اللى القراءة عنها كانت ممتعة لأبعد الحدود، باختلاف أنواعها، منها العبقرى اللى كان صاحب التجربة عايز يطلع بقيمة أو بالأصح عايز يزرع قيمة مضافة فى فئة معينة من المجتمع زى أول تجربة اللى هنتكلم عنها النهارده، أو تجارب فى غاية القسوة واللى بتعتبر الإنسان هو فأر التجارب اللى بتستخدمه فى تجربتها.
والمشكلة التانية هى إنى حتى لو قدرت أحدد 5 تجارب بس اتكلم عنهم الموضوع هيبقى متكروت جدا، كل تجربة منهم ممتعة وفيها تفاصيل بالقدر الكافى اللى تخلى فكرة اختصارها واختزالها فى ربع مقالة تعتبر شبه مستحيلة ومجحفة ليها وبتضيع جزء كبير من متعة التفاصيل الموجودة فى التجارب.
وعشان كده قررت أنه من الأفضل أنه يتعمل قسم كامل فى الموقع هنا بيتكلم عن التجارب الإجتماعية والنفسية على مر التاريخ.
خلينا نبدأ مع التجربة وخلينا الأول نسردها وفى الآخر ننقل الكلام اللى قالته المدرسة اللى عملت التجربة دى، ورأيها فى اللى حصل أثناء التجربة، وكذلك إحساس الأطفال اللى اتعمل عليهم التجربة، والتجربة رغم بساطتها إلا إنها بتبين جزء كبير من الجانب النفسى للإنسان موجود جواه.
التجربة بتبدأ بالمعلمة جين إليوت وهى مدرسة لأطفال ابتدائى، الحصة بتبدأ فبتكلمهم عن إن الأسبوع ده هو أسبوع “الأخوة الوطنية”، وبدأت تسألهم عن معنى “الأخوة”، فبدأ الأطفال كل واحد منهم يقول رأيه ومفهومه عن” الأخوة” زى أنه يكون طيب مع اخواته، واللى يقول أنه يعامل الناس زى ما يحب أنهم يعاملوه، واللى شاف أنه معناه أنه يعامل الناس كلهم كأنهم إخواته.
بعدها المعلمة “جين” بدأت تصعب الموضوع وتخرج عن الدبلوماسية شوية وتسالهم سؤال أصعب، سألتهم “يا ترى فى ناس عايشين معانا فى الولايات المتحدة الأمريكية مبنعاملهمش زى إخواتنا؟”، إحنا هنا بنتكلم مع أطفال فعامل الصدمة أو الكذب أو الدبلوماسية مش موجود.
الإجابات كانت حقيقية جدا، الأطفال جاوبوا إن السود أو أصحاب البشرة السمراء وكذلك الهنود، وقالوا إن الناس لما بتشوف السود والهنود أو آسيوى بيفتكروهم أغبياء، وإن الناس بتقول للسود كلمة عنصرية وهى Nigger أو “زنوج”.
بعدها سألتهم طيب ويا ترى بنعامل الناس المختلفة عننا إزاى، وبدأت تنقل الموضوع من مجرد نظرة المجتمع الأمريكى للسود والهنود والآسيويين للتعامل نفسه، يا ترى بنعامل الناس دى إزاى؟
فالأطفال قالوا إن الناس المختلفة زى السود والهنود بيتم التعامل معاهم بطريقة مختلفة، وبيكونوا ممنوعين من دخول أماكن معينة، ومش بيحصلوا على أى امتيازات لما بيروحوا أى حتة، وغيرها من مظاهر العنصرية تجاه أصحاب البشرة المختلفة..
وبعدها بتسألهم سؤال هى نقطة التحول فى التجربة كلها، قالتلهم “تعرف إيه إحساس الشخص اللى بيتم الحكم عليه من خلال لون بشرته؟” لكن المرة دى مستنتش الإجابة وقالت بعدها على طول “لا متعرفش الإحساس ده، وعمرك ما هتعرفه غير لما تجرب بنفسك، خلينا النهارده نجرب نحكم على الشخص من خلال لون عينيه، تحبوا تجربوا؟”
وطبعا فى الوقت ده الأطفال انبسطوا جدا وحبوا أنهم يجربوا، فالمعلمة بدأت التجربة وقالت بما إن عينى لونها أزرق فأنا شايفة إن الأشخاص اللى لون عينيهم أزرق هيكونوا هما الفئة الأحسن فى الفصل، اللى لون عينيه أزرق هو الأذكى من اللى لون عينه بنى، وبدأت تعمل امتيازات للأطفال أصحاب العيون الزرقاء زى إنهم هياخدوا 5 دقائق زيادة فى الفسحة، وزى إن الأطفال أصحاب العيون البني ميقعدوش جمبهم عشان هما أقل ذكاء منهم، وكمان خلت الأطفال أصحاب العيون البنية يلبسوا زى شرائط كده فى رقبهم عشان يعلموهم، وكمان مينفعش يشربوا من الحنفية على طول لازم يشربوا من كباية ويحطوها جمبهم عشان محدش يشرب مكانهم.
طبعا الموضوع فى الأول كان فى معارضة من الأطفال، وفى طفل – رغم أنه لو عينه أزرق – اعترض وقال “بابا لون عينيه بنى لكنه مش غبى”، لكن المعلمة ردت عليه وقالتله أنت جيت قبل كده وقلت أنه ضربك .. صح؟ وكانت إجابة الولد بالإيجاب، بعدها قالتله زميلك اللى جمبك والده لون عينه أزرق عشان كده عمره ما ضربه 😀 ، والولد اللى جمبه كان مبسوط طبعا وأكد على كلام المعلمة.
وفى خلال الوقت اللى قبل الفسحة – خلينا نقول إن اليوم متقسم نصفين، نص قبل الفسحة ونص بعد الفسحة – كانت بتحاول تقنعهم نفسياً بأن أصحاب العيون الزرقاء أفضل من أصحاب العيون البنى، يعنى لما تبدأ تشرح وتقولهم افتحوا الكتاب على صفحة رقم كذا وكله يفتح ما عدا بنت لسه بتدور على رقم الصفحة، كانت تقول إن كلكم فتحتوا الصفحة ما عدا البنت دى اللى لسه مفتحتش عشان هى لون عينيها بنى.
وكذلك لما كانت بتسألهم على مكان العصاية طفل قالها “المفروض تحطى العصاية على مكتبك عشان لو حد من أصحاب العيون البنى مسمعش الكلام”، فهى قالتله يعنى أنت شايف أنهم المفروض يتضربوا لو مسمعوش الكلام، وهو جاوب بالإيجاب.
فى الفسحة ووقت الغدا طبعا أصحاب العيون الزرقاء هما اللى خرجوا الأول وكان مسموح ليهم لو جاعوا يخرجوا يجيبوا أكل تانى، على عكس أصحاب العيون البنى اللى مش مسموح ليهم غير أنهم ياكلوا مرة واحدة بس.
الموضوع موقفش لحد هنا، بعد الفسحة المدرسة عرفت إن فى طفلين اتخانقوا مع بعض، طفل عينه زرقاء وطفل عينه بنى، لما سألت الطفل الأول ايه اللى حصل قالها إن الولد التانى شتمه فهو قام ضربه فى بطنه، فسألته شتمك قالك إيه، قالها أنه قاله “يا أبو عين بنى”، وسالته ده معناه إيه قالها معناه أنه بيقوله يا غبى.
ولما سألت الأطفال الكلام ده حصل، قالولها ايوه مظبوط، وإن كل الأطفال أصحاب العيون الزرقاء كانوا بينادوا عليهم – أصحاب العيون البنى – وبيقولولهم نفس الكلمة، وإن ده معناه إنهم أغبياء، وإنهم حسوا إن ده زى ما الناس بتقول على السود أو أصحاب البشرة السمراء Niggers أو “زنوج”.
ولما سألت الولد اللى قال كده قولتله كده ليه كان بيرد بخوف كده إنه قاله كده لأن عينه لونها بنى فعلا والموضوع مفيهوش مشكلة، فهى ردت عليه وقالتله بس أنت مقولتلوش كده امبارح رغم إن امبارح برضو كانت عينيه بنى عادى، وقالتله أنت كنت بتقول كده عشان من باب إنك تكون ظريف ومضحك ولا من باب إنك تكون رخم.
فالأطفال قالوا أنه كان بيقول كده عشان هو لابس الشريطة وكان بيغيظه.
وانتهى اليوم على كده والأطفال روحوا وانتهى اليوم الدراسة ولكن التجربة لم تنتهى 😀
اللى حصل تانى يوم إن المعلمة جين قالتلهم فى الفصل فى بداية اليوم التالى إنها قالتلهم امبارح إن أصحاب العيون الزرقاء هما الأفضل والأذكى، لكن للاسف الكلام ده طلع مش صحيح وأصحاب العيون البنى هما الأذكى وأفضل من أصحاب العيون الزرقاء، وأنها كانت بتكدب عليهم امبارح.
وبدأت طبعا تقنعهم بالفكرة فسألت واد اسمه “راسل” عن نضارته وليه مش لابسها النهارده، فقالها إنه نسيها النهارده، وسألته على لون عينيه رد وقال أزرق، وبعدها شاورت على بنت اسمها سوزان وقالت أنها منسيتش النضارة بتاعتها لأن لون عينيها بنى.
وبعدها قالت إن فى ولد “جريج” معاهم كان بيقول امبارح أنه بيحب يضرب اخته الصغيرة، ولون عين الولد ده أزرق … وسألت الفصل ده يعرفنا إيه عن أصحاب العيون الزرقاء فردوا أصحاب العيون البنى طبعا إن ده معناه إن أصحاب العيون البنى أفضل من أصحاب العيون الزرقاء 😀 😀
بعدها المعلمة قالت كده أصحاب العيون البنى يقدروا يقلعوا الشريطة اللى لابسينها فى رقبتهم ويدوها لأصحاب العيون الزرقاء عشان نقدر نعلمهم من بعيد ونعرف أنهم الفئة الأقل من أصحاب العيون البنى، وكان ردة الفعل غريبة جدا وهى إن الأطفال أصحاب العيون البنى زى ما يكون كانوا مستعبدين … جريوا وهما مبسوطين جدا وربطوا الشرائط القماش فى رقبة الأطفال أصحاب العيون الزرق.
وطبعاً الأحكام اللى كانت بتسرى فى اليوم السابق على أصحاب العيون البنى امبارح بقت بتسرى على أصحاب العيون الزرقاء والعكس صحيح، بقى الأطفال أصحاب العيون البنى هما بس اللى مسمحولهم يلعبوا فى حديقة الألعاب، وليهم 5 دقائق زيادة فى الفسحة وهكذا إلى آخره
اللى حصل إن المعلمة جين عملت معاهم تدريب أو نشاط عادى من اللى بيعملوا للأطفال فى الفصل، عملته مرة مع الأطفال أصحاب العيون الزرقاء لوحدهم ومرة مع أصحاب العيون البنى لوحدهم، أصحاب العيون البنى عملوا النشاط وخلصوه فى دقيقتين ونص، ولما سألتهم عملتوه امبارح فى وقت قد إيه قالولها 5 دقائق، ولما سالتهم إيه الفرق قالولها عشان امبارح كنا إحنا الأقل وأصحاب العيون الزرقاء أذكى مننا.
ولما عملت نفس النشاط مع الأطفال أصحاب العيون الزرقاء عملوا فى أكتر من 5 دقائق، ولما سألتهم عملتوا نفس النشاط امبارح فى قد ايه، قالولها 3 دقائق، ولما سألتهم على السبب قالوا أنهم النهارده هما اللى لابسين الشرائط، وأصحاب العيون البنى أذكى وأفضل منهم.
بعد الفسحة قعدت المعلمة مع الأطفال كلهم وسألت أصحاب العيون الزرقاء عن احساسهم النهارده عامل إزاى؟، عرفتوا احساس أصحاب العيون البنى امبارح؟، فى منهم اللى قال كان حاسس احساس الكلب المربوط بسلسلة، وفى اللى قال أنه حس كأن واحد حبسه فى مكان ورمى المفتاح.
بعدها كان الحوار ده بيدور بينها وبين الأطفال
– يا ترى المفروض نعامل الناس باختلاف بناء على لون عينهم؟
= لا
– طيب ولون بشرتهم؟
= لا
– يعنى مش المفروض نحكم على الناس بناء على لون بشرتهم؟
= لا
– لما تشوفوا حد أسود أو هندى هتسخروا منه؟
= لا
– فى فرق بين أى بنى آدم لون بشرته أبيض أو أسود أو أحمر؟
= لا
– ده اللى يخلينا نحكم على الشخص إذا كان شخص كويس ولا وحش؟
= لا
وبعدها قالتلهم إن اللى حصل ده هو التعريف الحقيقى لكلمة كريهة وسيئة اسمها “العنصرية” أو “التمييز”، وإن مش من المفروض أننا نحكم على أى إنسان بناء على لون بشرته أو لون عينه أو عرفه أو جنسه، وسالتهم عايزين يعملوا إيه فى الشرائط اللى لابسينها وكلهم قالوا أنهم عايزين يرموها، وبعدها فعلا رموا كلهم الشرائط وقالت يلا كله يقعد جمب بعضه، أصحاب العيون الزرقاء وأصحاب العيون البنى بلا تمييز.
التجربة دى من أكثر التجارب العبقرية اللى شفتها، وده لسببين أنها بتزرع قيمة عظيمة فى الأطفال بطريقة هتخليهم عمرهم ما ينسوها، الجميل هو رد فعل ورأى الأطفال والمعلمة جين إليوت صاحبة التجربة نفسها.
لما سألوا الأطفال عن رأيهم وإحساسهم اللى حسوا بيه أثناء التجربة، ولد منهم قال إن وهما فى اليوم اللى كانوا فيه لابسين الشرائط كانت كل حاجة وحشة بتحصلهم، وفى غيره قال أنهم كانوا حاسين بقهر لدرجة أنهم مش قادرين حتى يعترضوا، وتالت قال أنه حس إن المعلمة جين كانت بتسرق أفضل أصدقائهم منهم.
وعلى الناحية التانية كان المعلمة جين إليوت ليها وجهة نظر محترمة جدا، كانت بتقول إن من خلال ملاحظتها للأطفال شافت إن الأطفال اللى كانوا بيحبوا بعض ومتعاونين مع بعض بيتحولوا لأطفال سيئين ومتعجرفين وعنصريين، والكارثة إن كل ده فى خلال ربع ساعة.
كده إحنا خلصنا الكلام عن واحدة من أعظم التجارب النفسية فى التاريخ، هتلاقوا لينك التجربة كاملة هنا لو حد حابب يتفرج عليها، وأنا أنصحكم بشدة بمشاهدتها كاملة لأنها واحدة من أمتع الحاجات اللى ممكن تشوفها فى حياتك.
بس يا ترى أنت شايف إيه أكتر عامل نفسى كان مؤثر فى الأطفال وخلاهم يتصرفوا بالطريقة دى؟
This section is very interesting! Thank you for the great idea!
Thank you norhan for your words <3
Recommend us another topic to talk about ^_^
من يأخذ دواء وعلاج سلوكي وناجحة في عمل يعتمد على الإبداع ورغم ذلك يتجنب الناس ولا يرغب في الحياة وغير متفاعل مع العائلة رغم ما تقدمه له من دعم ما الحل اذن